خاص | أزمة الشباب في غزة: قلقٌ من الهجرة وقلقٌ من البقاء

لطالما بقي السفر حُلمًا لمواطني قطاع غزة، فغالبية مواطني القطاع لم يحالفهم الحظ بالسفر من قبل، بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ 12 عامًا.

خاص | أزمة الشباب في غزة: قلقٌ من الهجرة وقلقٌ من البقاء

من معبر رفح (أ ب أ)

لطالما بقي السفر حُلمًا لمواطني قطاع غزة، فغالبية مواطني القطاع لم يحالفهم الحظ بالسفر من قبل، بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ 12 عامًا.

يضحّي بعض الغزّيين من أجل السفر خارج حدود القطاع، أملا في أن ينعش قلبه الذي أماته الحصار بنزهةِ أسبوعٍ أو شهر، لكن السفر عبر "معبر رفح البريّ"، ليس أبدًا بالنزهة. خصوصا مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسّياسية داخل القطاع، التي تدفع سكانه إلى الهجرة من واقعه المرير.

رحلة بحريّة صعبة

محمد بسام (27 عامًا) عاد إلى غزّة عام 2015 بعد دراسته اللغة العبريّة في الأزهر بالقاهرة، يروي قصته والحزن يرافقه "عند عودتي للقطاع، كنت متحمسا كثيرا أنّني أعود للقطاع بعد غياب طويل، بدأت البحث عن عمل وكانت هناك محاولات كثيرة، ولكن، بعد اليأس الذي أصابني من عدم وجود وظيفة لمجال أحببته ودرسته، بدأت أبحث عن عمل في مجالات أخرى، دون جدوى، أصبح مستقبلي في القطاع باهتًا، ولا عملَ كي اتكئَ عليه".

وأضاف بسّام "أثناء عودتي، لم أكن أفكر في الهجرة، ولكنّ أسبابا كثيرة دفعتني للهجرة، السبب الرئيسي عدم توفر فرصة عمل. قرارُ الهجرة لم يكن هيّنًا واستغرق التفكير فيه 4 أشهر، الهجرة سلاح ذو حدين غربة وعبء كبير وتحمل مسؤولية... وفي الجانب الآخر، صنع لذاتك، التي تفقدها داخل البلد".

أمّا عن الصعوبات التي واجهته، فيقول "الصعوبات التي واجهتني كانت في البداية مادية، خرجت من القطاع دون علم أهلي، فلم أكن أملك المال، وحاولت خلال فترة التفكير بالهجرة أن أدبر مبلغًا بسيطًا كي أستطيع الخروج. واستطعت الخروج عن طريق معبر رفح بعد عناء طويل، وفي ما بعد، أجريت مكالمة مع مهرب وهو عراقي الجنسية مقيم في أزمير، وأخبرته بأنّني فلسطيني وأريد الهجرة، حاولت مرتين الهروب، ولكنّني لم أنجح، في المرة الثالثة تمت العملية واستطعت الخروج متّجهًا إلى اليونان".

وفي اليونان، شرح بسّام "مشينا في غابة كبيرة جدًا ومخيفة لمدّة 5 ساعات تقريبا، وبعدها أتت شاحنة كبيرة وحملت جميع المهاجرين، لمدّة ساعتين، وصلنا نقطة التهريب القريبة من الشاطئ، كان بانتظارنا مسلّحون أتراك، جهزّنا قارب التهريب، الذي يبلغ طوله 9 أمتار وعرضه مترين فقط".

ويشرح بسّام أكثر "الساعة 9 مساءً بدأ المركب بالتحرك، عندها، انتابني شعور الخوف وأن الموت قريب مني، جميع الركاب كانوا ينظرون إلى بعضهم البعض كأنهم يودّعون بعضَهُم، كنت أفكّر للحظة أن أنزل من المركب، وأني لا أريد أن أكمل، ولكن الوصول إلى نقطة التهريب معناه الوقوع في الفخ، ويقوم المهرب برمي الناس داخل المركب، لو رجع فيّ الزمن لن أعيدها إطلاقًا، في الوقت الحالي، لا نيّة للعودة إلا عندما تستقر الأمور، لكنّني اشتقت لأهلي وأصدقائي ولغزة رغم صعوبة العيش فيها".

قلقُ من الهجرة وقلق من البقاء

في حين يروي أحمد (25 عامًا) لـ"عرب 48" أنّه تخرّج عام 2015 وبدأ البحث عن عمل، "عملتُ فترة في التلفزيون، وحاليا في مؤسسة إغاثيّة، أعمل في بند العقود، بمعنى آخر وظائف غير مستقرة".

ويضيف "فكرة الخروج من القطاع تلازمني منذ أن تخرجت تقريبا، فشلت في محاولات كثيرة بتقديم المنح والتقديم لوظائف خارج القطاع، وقررت أن أعمل داخل القطاع لأجمع بعض المال وأعتمد على نفسي، والمجازفة، في هذا الوقت، تكون مدروسة".

"لا أستطيع أن أحدّد هل هو خروج بلا عودة أم لا، لكنّني أحب البلد وسيكون صعبًا عليّ أن أهاجر. البلد غير صالحة لأن أحلم وأخطط، أتمنى أن أستقرّ خارج القطاع، وأن أستطيع الذهاب والإياب بشكل سهل، أريد أن أستقرّ في بلد يتمتع بالحريات، واجهت الرفض والقبول بخصوص موضوع الخروج. هنالك خوف من البقاء داخل القطاع أكثر من السفر، أخاف أن أبقى في وسط هذه الأجواء السياسية والاقتصادية وغياب الحريات، ينتظرني في الخارج استقرار دون خوف".

وأصبحت الهجرة أملا وحلما للآلاف من مواطني القطاع، ولكن يبقى سرا لدى بعضهم، بينما يجاهر آخرون به ويفصحون عنه، والغالبية من الذين غادروا غزة يسافرون فجأة دون إخبار أحد.

التعليقات